فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (41):

{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي غائرًا في الأرض، والتعبير بالمصدر للمبالغة نظير ما مر.
{فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ} أي للماء الغائر {طَلَبًا} تحركًا وعملًا في رده وإخراجه، والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن والعاقل لا يطلب مثله، وقيل ضمير {لَهُ} للماء مطلقًا لا للماء المخصوص أي فلن ستطيع لماء لها بدل ذلك الماء الغائر طلبًا، وهو الذي يقتضيه كلام الماوردي إلا أنه خلاف الظاهر.
والظاهر أن {يُصْبِحَ} عطف على {تصبح} [الكهف: 40] وحينئذ لابد أن يراد بالحسبان ما يصلح ترتب الأمرين عليه عادة كالحكم الإلهي بالتخريب إذ ليس كل آفة سماوية يترتب عليها إصباح الجنة صعيدًا زلقًا يترتب عليها إصباح مائها غورًا. وجوز أن يكون العطف على {يُرْسِلُ} [الكهف: 40] وحينئذ يجوز أن يراد بالحبسان أي معنى كان من المعاني السابقة، وعلى هذا يكون المؤمن قد ترجى هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع لكنه لم يصرح بما يترتب على الغور من الضرر والخراب، ولعل ذلك لظهوره والاكتفاء بالإشارة إليه بقوله: {فَلَنْ} إلخ. وتعقب بأنه لا يخفى أنه لا فساد في هذا العطف لا لفظًا ولا معنى إلا أنه كان الظاهر أن يقال: أو يجعل ماءها غورًا أو نحو ذلك مما فيه إسناد الفعل إلى الله تعالى ولا يظهر للعدول إلى ما في النظم الكريم وجه فتأمل، ثم أن أكثر العلماء على أن قوله: {إِن تَرَنِ} [الكهف: 39] إلخ في مقابلة قول الكافر {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا} [الكهف: 34] إلخ وكأنه عنوا المقابلة في الجملة لا المقابلة التامة أما إذا لم يتحد المراد بالنفر والولد فظاهر، وأما إذا اتحد بأن فسر النفر بالولد فلأن هناك أمرين أكثرية واعزية ولم يذكر هنا إلا مقابل أحدهما وهو الأقلية المنسوبة في المعنى إلى المال والولد، نعم قيل: إن أقلية الولد قد تستلزم الأذلية والأكثرية قد تستلزم الأعزية كما يشاهد في عرب البادية. هذا وكان الظاهر أن يتعرض في الجزاء لأمر الولد كما تعرض لأمر المال بأن يقال وعسى أن يؤتيني خيرًا من ولدك ويصيبهم ببلاء فيصبحوا هلكى أو نحو ذلك الكافر وأنه يكفي في نكايته وإغاظته تلف جنته وإعطاء احبه المؤمن خيرًا منها.
وقيل: إنما لم يتعرض لذلك لما فيه من ترجي هلاك من لم يصدر منه مكالمة ومحاورة ولم ينقل عنه مقاومة ومفاخرة لمجرد إغاظة كافر حاور وكاثر وفاخر وتركه أفضل للكامل وأكمل للفاضل، والدعاء على الكفرة وذراريهم الصادر من بعض الأنبياء عليهم السلام ليس من قبيل هذا الترجي كما لا يخفى على المتأمل؛ وحيث أراد ترك هذا الترجي ترك ترجي الولد لنفسه تبعًا له أو لكونه غير مهم له، وقيل: إنه ترجاه في قوله: {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40] لأن المراد شيئًا خيرًا من جنتك والنكرة قد تعم عونة المقام فيندرج الولد وليس بشيء.
وقيل: أراد ما هو الظاهر أي جنة خيرًا من جنتك إلا أن الخيرية لا تتم من دون الولد إذ لا تكمل لذة بالمال لمن لا ولد له فترجى جنة خير من تلك الجن متضمن لترجى ولد خير من أولئك الولد ولم يترج هلاك ولده ليكون بقاؤهم بعد هلاك جنته حملًا عليه، ولا يخفى أنه لا يتبادر إلى الذهن من خيرية الجنة الجنة إلا خيريتها فيما يعود إلى كونها جنة من كثرة الأشجار وزيادة الثمار وغزارة مياه الأنهار ونحو ذلك، وفي قوله: ليكون إلخ منع ظاهر، وقيل: لم يترك الولد اكتفاءًا بما عنده منهم فإن كثرة الأولاد ليس مما يرغب فيه الكاملون وفيه نظر، وقيل: إنه لم يقرن ترجي إيتاء الولد مع ترجي إيتاء الجنة لأن ذلك الإيتاء المترجي في الآخرة وهي ليست محلًا لايتاء الولد لانقطاع التولد هناك، ولا يخفى أن هذا بعد تسليم أنه لا يؤتي الولد لمن شاءه في الآخرة ليس بشيء، وقيل: يمكن أن يكون ترجي الولد في قوله: {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40] بناءًا على أنه أراد من جنته جميع ما متع به من الدنيا وتكون الضمائر بعدها عائدة عليها عنى البستان على سبيل الاستخدام وهو كما ترى فتدبر، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وأخبر.
وقرأت فرقة {غؤورًا} بضم الغين وهمزة بعدها وواو بعدهما.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)}
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أهلك أمواله المعهودة من جنتيه وما فيهما، وهو مأخوذ من إحاطة العدو وهي استدارته به من جميع جوانبه استعملت في الاستيلاء والغلبة ثم استعملت في كل هلاك، وذكر الخفاجي أن في الكلام استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه افيهما بإهلاك قوم حاط بهم عدو وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم، ويحتمل أن تكون الاستعارة تبعية، وبعض يجوز كونها تمثيلية تبعية انتهى. وجعل ذلك من باب الكناية أظهر؛ والعطف على مقدر كأنه قيل: فوقع بعض ما ترجى وأحيط إلخ وحذف لدلالة السابق والسياق عليه، واستظهر أن الإهلاك كان ليلًا لقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} ويحتمل أن تكون أصبح عنى صار فلا تدل على تقييد الخبر بالصباح، ويجري هذان الأمران في {تصبح} [الكهف: 40] و{يصبح} [الكهف: 41] السابقين، ومعنى تقليب الكفين على ما استظهره أبو حيان أن يبدي بطن كل منهما ثم يعوج يده حتى يبدو ظهر كل يفعل ذلك مرارًا، وقال غير واحد: هو أن يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ثم يعكس الأمر ويكرر ذلك، وأيًا ما كان فهو كناية عن الندم والتحسر وليس ذلك من قولهم: قلبت الأمر ظهرًا لبطن كما في قول عمرو بن ربيعة:
وضربنا الحديث ظهرًا لبطن ** وأتينا من أمرنا ما اشتهينا

فإن ذلك مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض، ولكونه كناية عن الندم عدي بعلي في قوله تعالى: {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيقلب كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق، ومنه يعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدى بصلة المعنى الحقيقي كما في قولهم: بنى عليها وبصلة المعنى الكنائي كما هنا فيجوز بنى بها ويكون القول بنه غلط غلط.
ويجوز أن يكون الجار والمجرور ظرفًا مستقرًا متعلقة خاص وهو حال من ضمير {يُقَلّبُ} أي متحسرًا على ما أنفق وهو نظرًا إلى المعنى الكنائي حال مؤكدة على ما قيل لأن التحسر والندم عنى، وقال بعضهم: إن التحسر الحزن وهو أخص من الندم فليراجع، وأيًا ما كان فلا تضمين في الآية كما توهم. وقرئ {تَقَلُّبُ} أي تتقلب، ولا يخفى عليك أمر الجار والمجرور على هذا، وما إما مصدرية أي على إنفاقه في عمارتها، وإما موصولة أي على الذي أنفقه في عمارتها من المال، ويقدر على هذا مضاف إلى الموصول من الأفعال الاختيارية إذا كان متعلق الجار {بالابصار يُقَلّبُ} مرادًا منه يندم لأن الندم إنما يكون على الأفعال الاختيارية، ويعلم من هذا وجه تخصيص الندم على ما أنفق بالذكر دون هلالك الجنة، وقيل: لعل التخصيص لذلك ولأن ما أنفق في عمارتها كان ما يمكن صيانته عن طوارق الحدثان وقد صرفه إلى مصالحها رجاء أن يتمتع بها أكثر مما يتمتع به وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردى ولذلك قال: {مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا} [الكهف: 35] فلما ظهر له أنها مما يعتريه الهلاك ندم على ما صنع بناء على الزعم الفاسد من إنفاق ما يمكن إدخاره في مثل هذا الشيء السريع الزوال انتهى، والظاهر أن إهلاكها واستئصال نباتها وأشجارها كان دفعيًا بآفة سماوية ولم يكن تدريجيًا بإذهاب ما به النماء وهو الماء، فقد قال الخفاجي: إن الآية تدل على وقوع استئصال نباتها وأشجارها عاجلًا بآفة سماوية صريحًا لقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ} بالفاء التعقيبية والتحسر إنما يكون لما وقع بغتة فتأمل {وَهِىَ} أي الجنة من الأعناب المحفوفة بنخل {خَاوِيَةٍ} أي ساقطة، وأصل الخواء كما قيل الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام يخوي خوى وخواء إذا خلا. وفي القاموس خوت الدار تهدمت وخوت وخويت خيًا وخويًا وخواء وخواسة خلت من أهلها، وأريد السقوط هنا لتعلق قوله تعالى: {على عُرُوشِهَا} بذلك، والعروش جمع عشر وهو هنا ما يصنع من الأعمدة لتوضع عليه الكرم، وسقوط الجنة على العروش لسقوطها قبلها، ولعل ذلك لأنه قد أصاب الجنة من العذاب ما جعلها صعيدًا زلقًا لا يثبت فيها قائم، ولعل تخصيص حال الكروم بالذكر دون النخل والزرع إما لأنها العمدة وهما من متمماتها وإما لأن ذكر هلاكها على ماقيل مغنى عن ذكر هلاك الباقي لأنها حيث هلكت وهي مسندة بعروشها فهلاك ما عداها بالطريق الأولى وإما لأن الانفاق في عمارتها أكثر، ثم هذه الجملة تبعد ما روى من أن الله تعالى أرسل عليها نارًا فأحرقتها وغار ماؤها إلا أن يراد منها مطلق الخراب، وحينئذ يجوز أن يراد من {هِىَ} الجنة بجميع ما اشتملت عليه {وَيَقُولُ} عطف على {يُقَلّبُ} وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون حالًا من الضمير المستتر فيه بتقدير وهو يقول لأن المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذًا.
{وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه إنما أتى من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركًا فلم يصبه ما أصابه، قيل ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندمًا عليه فيكون تجديدًا للايمان لأن ندمه على شرخ فيما مضى يشعء بأنه آمن في الحال فكأنه قال: آمنت بالله تعالى الآن وليت ذلك كان أولًا، لكن لا يخفى أن مجرد الندم على الكفر لا يكون إيمانًا وإن كان الندم على المعصية قد يكون توبة إذا عزم على أن لا يعود وكان الندم عليها من حيث كونها معصية كما صرح به في المواقف، وعلى فرض صحة قياسه بها لم يتحقق هنا من الكافر ندم عليه من حيث هو كفر بل بسبب هلاك جنتيه، والآية فيما بعد ظاهرة أيضًا في أنه لم يتب عما كفر به وهو إنكار البعد، والقول بأنه إنما لم تقبل توبته عن ذلك لأنها كانت عند مشاهدة البأس والايمان إذ ذاك غير مقبول غير مقبول إذ غاية ما في الباب أنه إيمان بعد مشاهدة إهلاك ماله وليس في ذلك سلب الاختيار الذي هو مناط التكليف لاسيما إذا كان ذلك الإهلاك للإنذار، نعم إذا قيل إن هذا حكاية لما يقوله الكافر يوم القيامة كما ذهب إليه بعض المفسرين كان وجه عدم القبول ظاهرًا إذ لا ينفع تجديد الايمان هناك بالاتفاق.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)}
{وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ} وقرأ الأخوان. ومجاهد. وابن وثاب. والأعمش. وطلحة. وأيوب. وخلف. وأبو عبيد. وابن سعدان. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جرير {يَكُنِ} بالياء التحتية لأن المرفوع به أعني قوله تعالى: {فِئَةٌ} غير حقيق التأنيث والفعل مقدم عليه وقد فصل بينهما بالمنصوب، وقد روعي في قوله سبحانه: {يَنصُرُونَهُ} المعنى فاتي بضمير الجمع.
وقرأ ابن أبي عبلة {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ} مراعاة للفظ فقط، والمراد من النصرة لازمها وهو القدرة عليها أي لم تكن له فئة تقدر على نصره إما بدفع الهلاك قبل وقوعه أبو برد المهلك بعينه على القول بجواز إعادة المعدوم بعينه أو برد مثله على القول بعدم جواز ذلك {واتخذوا مِن دُونِ الله} فإنه سبحانه وتعالى القادر على نصره وحده، وارتكاب المجاز لأنه لو أبقى ذلك على ظاهره لاقتضى نصرة الله تعالى إياه لأنه إذا قيل: لا ينصر زيدًا أحد دون بكر فهم منه نصرة بكر له في العرف وليس ذلك راد بل المراد ما سمعت، وحاصله لا يقدرون على نصره إلا الله تعالى القدير {وَمَا كَانَ} في نفسه {مُنْتَصِرًا} ممتنعًا بقوته عن انتقام الله تعالى منه.

.تفسير الآية رقم (44):

{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
{هُنَالِكَ} أي في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك {الولاية لِلَّهِ الحق} أي النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها أحد فالجملة تقرير وتأكيد لقوله تعالى: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ} [الكهف: 43] إلخ، أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر سبحانه افعل بالكافر أخاه المؤمن فالولاية عنى النصرة على الوجهين إلا أنها على الأول مطلقة أو مقيدة بالمضطر ومن وقع به الهلاك وعلى هذا مقيدة بغير المضطر وهم المؤمنون، ويعضد أن المراد نصرتهم قوله تعالى: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي عاقبه لأوليائه، ووجه ذلك أن الآية ختمت بحال الأولياء فيناسب أن يكون ابتداؤها كذلك.
وقرأ الأخوان. والأعمش. وابن وثاب. وشيبة. وابن غرزوان عن طلحة. وخلف. وابن سعدان. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جرير {الولاية} بكسر الواو وهي الولاية بالفتح عنى واحد عند بعض أهل اللغة كالوكالة والوكالة والوصاية والوصاية، وقال الزمخشري: هي بالفتح النصرة والتولي بالكسر السلطان والملك أي هنالك السلطان له عز وجل لا يغلب ولا يمتنع منه ولا يعبد غيره كقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65] فتكون الجملة تنبيهًا على أن قوله: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ} [الكهف: 42] إلخ كان عن اضطرار وجزع عمادهاه ولم يكن عن ندم وتوبة، وحكى عن أبي عمرو. والأصمعي أنهما قالا: إن كسر الواو لحن هنا لأن فعالة إنما تجيء فيما كان صنعة ومعنى متقلدًا كالكتابة والإمارة والخلافة وليس هنا تولي أمر إنما هي الولاية بالفتح عنى الدين بالكسر ولا يعول على ذلك.
واستظهر أبو حيان كون {هُنَالِكَ} إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله الحق ويناسب قوله تعالى: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} ويكون كقوله تعالى: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] والظاهر على جميع ذلك أن الوقف على {مُنْتَصِرًا} [الكهف: 43] وقوله تعالى: {هُنَالِكَ} إلخ ابتداء كلام، وحينئذ فالولاية مبتدأ و{لِلَّهِ} الخبر والظرف معمول الاستقرار والجملة مفيدة للحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما قرر في {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون {هُنَالِكَ} خبر {الولاية} أو الولاية مرفوعة به و{لِلَّهِ} يتعلق بالظرف أو بالعامل فيه أبو بالولاية، ويجوز أن يكون متعلقًا حذوف وقع حالًا منها.
وقال بعضهم: إن الظرف متعلق نتصرًا والإشارة إلى الدار الآخرة، والمراد الإخبار بنفي أن ينتصر في الآخرة بعد نفي أن تكون له فئة تنصره في الدنيا. والزجاج جعله متعلقًا يمنتصرًا أيضًا إلا أنه قال: وما كان منتصرًا في تلك الحالة، و{الحق} نعت للاسم الجيل.
وقرأ الاخوان. وحميد. والأعمش. وابن أبي ليلى. وابن منذر. واليزيدي. وابن عيسى الأصبهاني {الحق} بالرفع على أنه صفة {الولاية} وجوز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي أو هو الحق وأن يكون مبتدأ وهو خبره. وقرأ أبي {هُنَالِكَ الولاية الحق لِلَّهِ} بتقديم {الحق} ورفعه وهو يرجح كون {الحق} نعتًا للولاية في القراءة السابقة.
وقرأ أبو حيوة. وزيد بن علي. وعمرو بن عبيد. وابن أبي عبلة. وأبو السمال. ويعقوب عن عصمة عن أبي عمرو {الحق} بالنصب على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة والناصب له عامل مقدر كما في قولك: هذا عبد الله حقًا، ويحتمل أنه نعت مقطوع.
وقرأ الحسن. والأعمش. وحمزة. وعاصم. وخلف {عُقْبًا} بسكون القاف والتنوين، وعن عاصم {عقبى} بألف التأنيث المقصور على وزن رجعي، والجمهور بضم القاف والتنوين؛ والمعنى في الكل ما تقدم.